فصل: فصل في سبب نزول الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} بيّن تعالى في هذه الآية ما أجمله في قوله: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ} {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} فدلّ هذا على جواز تأخير البيان عن وقت السؤال.
وهذه الآية ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الأحكام، وأُمّ من أُمّهات الآيات؛ فإن الفرائض عظيمة القدر حتى أنها ثُلث العلم، وروي نصفُ العلم.
وهو أوّل علم يُنزع من الناس ويُنسى.
رواه الدارقطنيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تعلّموا الفرائض وعلِّموه الناس فإنه نصفُ العلم وهو أوّل شيء يُنسى وهو أوّل شيء يُنتزع من أُمّتي» وروي أيضًا عن عبد الله بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس وتعلموا العلم وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وإنّ العلم سيقبض وتظهر الفِتَن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يفصل بينهما» وإذا ثبت هذا فاعلم أن الفرائض كان جُلّ علم الصحابة، وعظيم مناظرتهم، ولكنّ الخلق ضيّعوه.
وقد روى مُطَرِّف عن مالك، قال عبد الله بن مسعود: من لم يتعلم الفرائضَ والطلاق والحج فبِم يفضل أهل البادية؟ وقال ابن وهب عن مالك: كنت أسمع ربيعة يقول: من تعلم الفرائض من غير علم بها من القرآن ما أسرع ما ينساها.
قال مالك: وصدق.
روى أبو داود والدارقطنيّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العلم ثلاثة وما سِوى ذلك فهو فضل: آية مُحكمةٌ أو سنّةٌ قائمة أو فريضةٌ عادلة» قال الخطّابِيّ أبو سليمان: الآية المحكمة هي كتاب الله تعالى: واشترط فيها الإحكام؛ لأن من الآي ما هو منسوخ لا يعمل به، وإنما يعمل بناسخه.
والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من السنن الثابتة.
وقوله: أو فريضة عادلة يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما أن يكون من العدل في القسمة؛ فتكون معدّلة على الأنصباء والسهام المذكورة في الكتاب والسنة.
والوجه الآخر أن تكون مُستنْبَطَة من الكتاب والسنة ومن معناهما؛ فتكون هذه الفرِيضة تعدِل ما أُخذ من الكتاب والسنة إذْ كانت في معنى ما أخذ عنهما نَصًّا.
روى عِكرِمة قال: أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت يسأله عن امرأة تركت زوجها وأبويها.
قال: للزوج النصف، وللأُمّ ثلث ما بقي.
فقال: تجده في كتاب الله أو تقوله برأي؟ قال: أقوله برأي؛ لا أفضل أُمّا على أبٍ.
قال أبو سليمان: فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نَصٌّ؛ وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وهو قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث}.
فلما وُجد نصيب الأُم الثلثُ، وكان باقي المال هو الثلثان للأب، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم؛ فقسمه بينهما على ثلاثة، للأُمّ سهمٌ وللأب سهمان وهو الباقي.
وكان هذا أعدل في القسمة من أن يُعطي الأُمّ من النصف الباقي ثلث جميع المال، وللأب ما بقي وهو السدس، ففضلها عليه فيكون لها وهي مَفْضولة في أصل الموروث أكثر مما للأب وهو المقدَّم والمفضَّل في الأصل.
وذلك أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من تَوْفير الثُلث على الأُمّ، وبَخْسِ الأبِ حقّه بردّه إلى السدس؛ فتُرِك قوله وصار عامّة الفقهاء إلى زيد.
قال أبو عمر: وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في زوج وأبوين: للزوج النصف، وللأُم ثلث جميع المال، وللأب ما بقي.
وقال في امرأة وأبوين: للمرأة الربع، وللأُمّ ثلث جميع المال، والباقي للأب.
وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سِيرين وداود بن عليّ، وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله الفرضي المصري المعروف بابن اللّبّان في المسألتين جميعًا وزعم أنه قياس قول عليّ في المشتركة وقال في موضع آخر: أنّه قد روي ذلك عن عليّ أيضًا.
قال أبو عمر: المعروف المشهور عن عليّ وزيد وعبد الله وسائرِ الصحابة وعامّة العلماء ما رسمه مالك.
ومن الحجة لهم على ابن عباس: أن الأبوَيْن إذا اشتركا في الوراثة، ليس معهما غيرهما، كان للأُم الثلث وللأب الثلثان.
وكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج، كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين.
وهذا صحيح في النظر والقياس. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

اعلم أن أهل الجاهلية كانوا يتوارثون بشيئين:
أحدهما: النسب، والآخر العهد، أما النسب فهم ما كانوا يورثون الصغار ولا الاناث.
وإنما كانوا يورثون من الأقارب الرجال الذين يقاتلون على الخيل ويأخذون الغنيمة، وأما العهد فمن وجهين: الأول: الحلف، كان الرجل في الجاهلية يقول لغيره: دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فإذا تعاهدوا على هذا الوجه فأيهما مات قبل صاحبه كان للحي ما اشترط من مال الميت، والثاني: التبني، فإن الرجل منهم كان يتبنى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النسب ويرثه، وهذا التبني نوع من أنواع المعاهدة، ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم تركهم في أول الأمر على ما كانوا عليه في الجاهلية، ومن العلماء من قال: بل قررهم الله على ذلك فقال: {وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} [النساء: 33] والمراد التوارث بالنسب.
ثم قال: {والذين عَقَدَتْ أيمانكم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] والمراد به التوارث بالعهد، والأولون قالوا المراد بقوله: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} ليس المراد منه النصيب من المال، بل المراد فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة وحسن العشرة، فهذا شرح أسباب التوارث في الجاهلية.
وأما أسباب التوارث في الإسلام، فقد ذكرنا أن في أول الأمر قرر الحلف والتبني، وزاد فيه أمرين آخرين: أحدهما: الهجرة، فكان المهاجر يرث من المهاجر.
وان كان أجنبيا عنه، إذا كان كل واحد منهما مختصا بالآخر بمزيد المخالطة والمخالصة، ولا يرثه غير المهاجر، وإن كان من أقاربه.
والثاني: المؤاخاة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل اثنين منهم، وكان ذلك سببا للتوارث، ثم إنه تعالى نسخ كل هذه الأسباب بقوله: {وَأُوْلُواْ الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} [الأحزاب: 6] والذي تقرر عليه دين الإسلام أن أسباب التوريث ثلاثة: النسب، والنكاح، والولاء. اهـ.

.قال القاسمي:

واستنبط بعضهم من هذه الآية أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها. حيث أوصى الوالدين بولدهما، فعلم أنه أرحم بهم منهم، كما جاء في الحديث الصحيح وقد رأى امرأة من السبى، فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها، فلما وجدته من السبى أخذته فألصقته بصدرها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه طارحة ولدها في النار». قالوا لا يا رسول الله قال (لله أرحم بعباده من هذه بولدها). اهـ.

.فصل في سبب نزول الآية:

.قال الفخر:

روى عطاء قال: استشهد سعد بن الربيع وترك ابنتين وامرأة وأخا، فأخذ الأخ المال كله، فأتت المرأة وقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، وإن سعدًا قتل وان عمهما أخذ مالهما، فقال عليه الصلاة والسلام: «ارجعي فلعل الله سيقضي فيه» ثم إنها عادت بعد مدة وبكت فنزلت هذه الآية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما وقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن وما بقي فهو لك». فهذا أول ميراث قسم في الإسلام. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلفت الروايات في سبب نزول آية المواريث؛ فروى الترمذيّ وأبو داود وابن ماجه والدارقطنِيّ عن جابر بن عبد الله أن امرأة سَعْد بن الربيع قالت: يا رسول الله، إن سعدًا هلك وترك بنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن؛ فلم يجبها في مجلسها ذلك.
ثم جاءته فقالت: يا رسول الله، ابنتا سعد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادع لي أخاه» فجاء فقال له: «ادفع إلى ابنتيْه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي». لفظ أبي داود.
في رواية الترمذيّ وغيره: فنزلت آية المواريث.
قال: هذا حديث صحيح.
وروى جابر أيضًا قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سَلمة يمشيان، فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش عليّ منه فأفقت.
فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ}.
أخرجاه في الصحيحين.
وأخرجه الترمذي وفيه فقلت يا نبي الله كيف أقسم مالي بين ولديّ؟ فلم يردّ عليّ شيئًا فنزلت {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} الآية.
قال: حديث حسن صحيح.
وفي البخاريّ عن ابن عباس: أن نزول ذلك كان من أجل أن المال كان للولد، والوصية للوالدين؛ فنسخ ذلك بهذه الآيات.
وقال مقاتل والكلبيّ: نزلت في أُمّ كُجَّة؛ وقد ذكرناها.
السدّي: نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حَسّان بن ثابت.
وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا لا يورِّثون إلا من لاقَى الحروب وقاتل العدوّ؛ فنزلت الآية تبيينًا أن لكل صغير وكبير حَظّه.
ولا يبعد أن يكون جوابًا للجميع؛ ولذلك تأخر نزولها. والله أعلم.
قال الكيا الطبرِي: وقد ورد في بعض الآثار أن ما كانت الجاهلية تفعله من ترك توريث الصغير كان في صدر الإسلام إلى أن نسخته هذه الآية ولم يثبت عندنا اشتمال الشريعة على ذلك، بل ثبت خلافه؛ فإن هذه الآية نزلت في ورثة سعد ابن الربيع.
وقيل: نزلت في ورثة ثابت بن قيس بن شَمّاس.
والأوّل أصح عند أهل النقل.
فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث من العمّ، ولو كان ذلك ثابتًا من قبل في شرعنا ما استرجعه.
ولم يثبت قط في شرعنا أن الصبيّ ما كان يعطى الميراث حتى يقاتل على الفرس ويذب عن الحرِيم.
قلت: وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربيّ قال: ودل نزول هذه الآية على نكتة بديعة؛ وهو أنّ ما كانت (عليه) الجاهلية تفعله من أخذ المال لم يكن في صدر الإسلام شرعًا مَسْكُوتا مُقَرًّا عليه؛ لأنه لو كان شرعًا مقرًا عليه لما حكَم النبيّ صلى الله عليه وسلم على عمّ الصبيّتين بردّ ما أخذ من مالهما؛ لأن الأحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما يؤثِّر في المستقبل فلا ينقض به ما تقدّم وإنما كانت ظلامة رفعت. قاله ابن العربي. اهـ.